البيت
نص قرائي للسنة الثالثة إعدادي
المجال الاجتماعي والاقتصادي
البيت
إن الطابع الأساسي البارز للبيت
ليس هو عظمته ولا كونه قصرا أو منزلا عاديا بسيطا، وإنما هو في الروح التي تسيطر على
داخله، أي في العلاقة المبنية على المحبة التي تربط بين أفراده، فإذا أحسوا برباط
المودة يخيم عليهم فإنهم يشعرون بالسعادة الحقيقية التي لا يمنحها لهم جاه ولا
مال. وهذه المحبة ضرورية حتى للقيام بالمهمة التي يفرضها البيت على أفراد العائلة،
لأن هذه الطمأنينة هي التي تسهل على الأمم القيام بالعناية التامة بأبنائها، تلك
العناية التي يحتاج إليها الأطفال البشريون أكثر مما يحتاج إليها غيرهم من صغار
الحيوانات التي لا تلبث إلا قليلا حتى تستطيع الاستقلال بنفسها.
فمهمة البيت إذا عظيمة جدا لأنها هي التي تعلمنا مبادئ
كل شيء نتلقاه في هذا الوجود، فبقدر ما يكون البيت كامل الوسائل، مستوفي الشروط
يستطيع الناشئون فيه أن يخرجوا للعالم وهم على مسكة عظيمة من الاستعداد لاستكمال معلوماتهم،
واستعمال الخميرة البيتية التي هي رأسمالهم في الحياة. ولذلك فإن الذين يعبرون عن
البيت بمهد المعرفة الأول، وعن ربة البيت بالمدرسة الأولى هم صادقون في تعبيرهم
إلى أبعد حدود الصدق.
فالبيت هو الذي يعلمنا قبل كل شيء اللغة التي نتكلم
بها، ولولا المجهودات الأولية التي تبذلها العائلة في هذه الناحية لما استطعنا أن
نحصل على وسائل المخاطبة بنفس السهولة التي نحصل عليها الآن. وليس أدل على ذلك من
الصعوبات التي نتلقاها كلما أردنا أن نتعلم في الكبر لغة أجنبية عنا.
ولذلك فإن البيت الذي يتقن الوالد والوالدة فيه لغة
بلادهما يقدم للمجتمع خدمة عظيمة الشأن، لأنه يربي ملكة هذه اللغة وتذوقها في نفوس
الناشئين به، ونحن نستطيع أن نرى الفرق بين من ينشأ في عائلة يجيد فيها الوالدان
اللغة العربية وآدابها وبين من ينشافي بيت لا يعرف أعضاؤه إلا معجما بسيطا لا أثر
له في التربية ولا في الإعداد. وتعظم الفائدة أكثر إذا كانت الأسرة تتكلم عدة لغات،
فإنما تختصر الطريق على الطفل إذ تعلمه لغتين أو ثلاثا يستطيع أن يدخل بها ميدان
الدراسة وهو مزود محظوظ، كما يستطيع المجتمع أن يستفيد من خبرته خصوصا في وسط مثل
وسطنا الذي تزدحم فيه اللغات، وتكثر في مناطقه اللهجات.
والطفولة هي مهد الانطباعات الجميلة والقبيحة،
ولذلك فإن للبيت مهمة تربية الذوق الجميل في نفوس أبنائه فيستطيع أن يربي فيهم
حاسة الشعور وحبه، والقبح واستنكاره، وحاسة الرحة والشفقة والحنان، وما إلى ذلك من
وسائل التربية الإنسانية التي تكون منا متحضرين بالمعنى العميق للكلمة.
تعليقات
إرسال تعليق