مسرحية أهل الكهف للسنة الثالثة إعدادي- دراسة تحليلية
التقديم:
عرف المسرح العربي وثبة متميزة على
يد الكاتب المصري توفيق الحكيم الذي يعد اليوم أهم مؤلف مسرحي في الأدب العربي
المعاصر، فقد عالج موضوعات مختلفة منها ما هو مبني على قصص وأساطير قديمة، ومنها
ما هو متصل بالحياة المعاصرة، متنقلا من المأساة إلى الدراما فالملهاة، مقتفيا عدة
نماذج أوروبية في الفن المسرحي ما بين كلاسيكي وعاطفي ورمزي ومسرح اللامعقول.
وهكذا قام توفيق الحكيم برحلته الفنية في كل الاتجاهات، فاستلهم المسرح الإغريقي،
والقرآن الكريم، والكتاب المقدس، وألف ليلة وليلة، وقضايا الحياة المعاصرة.
وتندرج مسرحية "أهل"
"الكهف" فيما يسميه توفيق الحكيم بالمسرح الذهني. وهو المسرح الذي يقام
داخل ذهن القارئ، ويتحول فيه الممثلون إلى أفكار تتحرك مرتدية أثواب الرموز ويبرر
الحكيم التجاءه إلى هذا اللون من المسرحيات بأنه أراد أن يدخلها إلى الأدب العربي،
بوصفها قالباً أدبيا وأنه في سبيل الوصول إلى هذه الغاية، وجد أنه لابد من إدخال
التفكير الفلسفي أساسا من أسس المسرحية. وهكذا جعل توفيق الحكيم عن طريق المسرح
الذهني، أدباء اللغة العربية يعترفون بالحوار قالبا أدبيا، وخلص مسرحه من الاعتماد
فقط على المواقف المضحكة أو المبكية كانت تعتمد عليها المسرحيات العربية المؤلفة
في ذلك الوقت.
يقول توفيق الحكيم: "أقيم" "اليوم" مسرحي داخل الذهن، وأجعل الممثلين أفكارا تتحرك في المطلق من المعاني مرتدية أثواب الرمز. فمسرحية أهل الكهف إذن من المسرحيات التي استلهم فيها الحكيم التراث الإنساني متوخيا الكشف عن الصراع القائم بين مجموعة من القيم والأفكار من خلال استثمار رموز هذا الصراع.
وهذا المسرح الذهني - كما يقول
الحكيم لا بد منه مادامت هنالك مواضيع لا محيص من إبرازها تقوم على أفكار مجردة،
وأشخاص غير مجسدة. فالصراع بين الإنسان وبين القوى الخفية الجبارة مثل الزمن،
والحقيقة، والمكان الخ، لا يمكن تجسيدها بوساطة العرض والتمثيل إلا على وجه التقريب
فقط...
أولا: القراءة التوجيهية:
1- التعريف بالكاتب:
ولد توفيق
الحكيم في الإسكندرية بمصر سنة 1898. ولما بلغ السابعة من عمره التحق بإحدى
المدارس الثانوية بالقاهرة. وفي هذه الأثناء، أتم تعليمه الثانوي والتحق بمدرسة
الحقوق. وكانت مواهبه الأدبية قد أخذت تستيقظ في عقله ووجدانه. فاتجه في حياته
الدراسية الجامعية أولا إلى القانون إذ تخرج في الحقوق سنة 1924. ثم سافر إلى
باريس لإكمال دراسته القانونية، وهناك أمضى نحو أربع سنوات عكف فيها على قراءة
القصص وروائع الأدب المسرحي. ووزع وقته بين المسارح والموسيقى والتمثيل، وهو في
أثناء ذلك يقرأ ويفهم ويتمثل ثقافات العصور الغابرة والمعاصرة واجتذبه الأدب، ووجد
في نفسه قابلية كبيرة للإنتاج والتأليف، وبالأخص في ميدان المسرح فعكف على
التأليف.
وقد عاد توفيق
الحكيم إلى مصر سنة 1928. ووظف في سلك النيابة حتى سنة 1934، ثم عمل مديرا
للتحقيقات بوزارة التربية والتعليم، وظل بها إلى سنة 1939 إذ انتقل إلى وزارة
الشؤون الاجتماعية مديرا لمصلحة الإرشاد الاجتماعي. وقد صمم منذ عاد من بعثته أن
يقتحم فن التمثيل الغربي بعد أن عرف أصوله، وتلقف أسسه عن الإغريق والفرنسيين.
ولذلك استقال من الوظيفة الحكومية في سنة 1943. وخلص لفنه. وتعاقب إنتاجه ما بين
مقالات نقدية في الصحف وبين قصص اجتماعية. ثم تضخم إنتاجه في المسرحيات، تارة
يستوحيها من محيطه الاجتماعي، وتارة يستوحيها من موضوعات قديمة كالأساطير
الإغريقية ومنذ الثلاثينيات وهو يشغل الأوساط الأدبية بمصر وفي العالم العربي عامة
بإنتاجه الوفير إلى أن توفي سنة 1987.
من مؤلفاته:
- المسرحية: أهل الكهف 1939 - شهرزاد 1934
- سليمان الحكيم 1943 - الملك أوديب 1949 - الأيدي الناعمة 1959 إيزيس 1955 الصفقة
1955 - يا طالع الشجرة 1962 - الطعام لكل فم 1963 شمس النهار 1965.
- الورطة 1966 -
بنك القلق 1967 - مجلس العدل 1972 - الدنيا رواية هزلية 1974
الروائية: - عودة الروح 1933 - يوميات نائب
في الأرياف 1937 عصفور من الشرق 1938
- أشعب 1938 -
حمار الحكيم 1940 - الرباط المقدس 1944... تحت شمس الفكر 1938 - من البرج العاجي
1941 ثورة
- المقالية:- الشباب 1975 بين الفكر والفن
1976 ... بالإضافة إلى مجموعة من القصص والحوارات وقد ترجمت كثير من أعماله إلى
اللغات الآتية الإنجليزية والفرنسية والروسية والإسبانية، والألمانية والإيطالية
والبرتغالية وغيرها. منها ترجمة "أهل الكهف" بالفرنسية عام .1940 إلى الإيطالية
بروما عام 1945 وبالإسبانية في مدريد عام 1946.
2- نوعية المؤلف:
التعريف بمسرحية أهل الكهف:
أهل الكهف، من
أشهر المسرحيات التي ألفها توفيق الحكيم، وعن طريقها أدخل موضوعا شرقيا إلى المسرح
الذي طغت عليه الأساطير اليونانية في الإنتاج الأدبي الكلاسيكي بأوروبا. وطموحه هو
أن يتوصل إلى خلق مسرح عربي أصيل
دون ان يعوزه
شيء من المقومات الفنية التي يرتكز عليها المسرح العالمي وأما موضوع المسرحية، فلم
يخترعه الحكيم، وإنما استكشفه من قصة أهل الكهف الواردة في القرآن الكريم. وفي هذه
المسرحية يختبئ وزيران مسيحيان وأحد الرعاة داخل كهف فينامون، وحينما يفيقون،
يظنون أنهم لم يقضوا سوى ليلة واحدة فقط في الكهف، ولكنهم سرعان ما يكتشفون بأن
ثلاثمائة عام قد مضت وأن الدولة القائمة دولة مسيحية، ويجدون أنفسهم لا يمتون بصلة
لهذا العالم الجديد الذي رأوه في الحلم، ويعودون إلى كهفهم ليموتوا هناك.
وقد قصد توفيق
الحكيم بتأليفه مسرحية أهل الكهف، إدخال عنصر التراجيديا في موضوع عربي إسلامي.
وقد احتفظ فيها بالمعنى الاغريقي القديم المفهوم التراجيديا وهو الصراع بين
الإنسان وبين قوى خفية هي فوق الإنسان. وحرص على أن يكون منبعه لا أساطير اليونان
بل القرآن الكريم. والمقصود عنده لم یکن مجرد أخذ قصة من القرآن الكريم ووضعها في
قالب تمثيلي، بل كان الهدف هو النظر إلى الأساطير الإسلامية بعين التراجيديا الإغريقية كما
يقول الحكيم وإحداث هذا التزاوج بين العقليتين والأدبين العربي والإغريقي.
كما تندرج مسرحية أهل
الكهف فيما يسمى بالمسرح التراجيدي. والتراجيديا كما يفهمها توفيق الحكيم، تنبع من
شعور ديني. وكل جوهر التراجيديا هو أنها صراع ظاهر أو خفي بين الإنسان والقوى
الإلهية المسيطرة على الكون صراع الإنسان مع شيء أكثر من الإنسان وقوته أساس
التراجيديا الحقيقية في نظر الحكيم - هو إحساس الإنسان أنه ليس وحده في الكون.
وهذا ما يعنيه بعبارة (الشعو الديني). ومهما يكن شكل التمثيلية وإطارها وأسلوبها
والأثر الذي تحدثه في النفس، فإن هذا كله لا يسوغ في رأيه وصفها بالتراجيديا
مادامت لا تقوم على هذا الشعور الديني، هذا العنصر الإلهي في روح التراجيديا.
ويثير الكاتب في مسرحيته
طائفة من المسائل والإشكالات الفكرية المرتبطة بهذا المنظور المأساوي التراجيدي
منها: علاقة الإنسان بالزمن، والعلاقة بين الموت والبعث والصلة بين أصحاب الكهف
والأحياء. فكيف تجلت هذه القضايا في مسرحية أهل الكهف؟ وكيف بلورها الكاتب؟
3- دلالة العنوان:
يعود عنوان المسرحية
"أهل "الكهف" بالقارئ مباشرة إلى أجواء قصة أهل
الكهف كما وردت في
القرآن الكريم. وقبله في تراث المسيحية واليهودية. فدوقيانوس الإمبراطور الروماني
الوثني 249 م 251 م) اضطهد المسيحيين. فقر فريق منهم والتجئوا إلى كهف ولبثوا فيه
ما يقارب ثلاثمائة سنة ثم استفاقوا ذات يوم، فصدمهم الواقع، ففضلوا العودة فيما
كانوا فيه وهي عنوان على أثر الزمان في حياة الكائنات الحية ورمز لرغبة الإنسان
الساعرة في التغلب على هذا الزمان وتخطيه وضمان الخلود. وقد اعتمد فيها الحكيم على
حوادث معينة، ثم أخذ ينسج خيوطها على نوله الخاص وحسب تصوره لأسطورة أهل الكهف كما
وردت في التراث الإنساني. يقول توفيق الحكيم: حرصت على أن يكون منبعي لا أساطير
اليونان، بل القرآن، فإن المقصود عندي لم يكن مجرد أخذ قصة من الكتاب الكريم
ووضعها في قالب تمثيلي، بل كان الهدف هو النظر إلى أساطيرنا الإسلامية
بعين التراجيديا الإغريقية.
بمعنى أن
"أهل الكهف" هي تراجيديا في موضوع عربي إسلامي، التراجيديا بالمعنى الذي
حدده توفيق الحكيم، وهو الصراع بين الإنسان وبين قوى خفية فوق الإنسان، وإذا كان
عنوان المسرحية يحيلنا مباشرة على قصة أهل الكهف. فهل حافظ توفيق الحكيم على
الإطار العام لقصة أهل الكهف كما وردت في القرآن الكريم؟ وهل حافظ كذلك على الإطار
الزماني والمكاني الذين جرت فيهما؟
4 - دلالة الغلاف:
تتصدر غلاف
الكتاب على اليمين صورة مكبرة لرأس امرأة أنيقة، ذات عينين واسعتين زرقاوين
يعلوهما حاجبان مسطران كهلاليين رقيقين ومتوازنين وأنف رقيق مستقيم، وشفتان حمراوان
وجيد طويل. ويظهر على كتفها الجزء العلوي من فستان أبيض اللون. وتشكل هذه الصورة
البؤرة الأساسية في الغلاف وهي تجسيد لصورة الأميرة بريسكا.
وخلف صورة المرأة في الأعلى ثلاثة أشخاص، أحدهما لا يظهر منه إلا
رأسه في أقصى الصورة، وبجانبه رأس رجل آخر يرتدي خوذة، وأمامهما يقف رجل ثالث
يرتدي لباسا طويلا وينظر في اتجاه جانبي. وقد وردت صور هؤلاء جميعا بلون بني
مختلط بالسواد.
وفي الجانب الأيسر من الصورة يبدو شخصان بلون أخضر ممزوج بالسواد،
حيث يظهران بشعر كثيف في الرأس واللحية، وأحدها رافع يده إلى السماء. ويمثلان
شخصين من شخصيات أهل الكهف.
ورفقة الصورة
ورد عنوان المسرحية "أهل" "الكهف" بخط بارز يغطي الجزء الأعلى
من الغلاف وتحته كتب على الجانب الأيسر اسم المؤلف توفيق الحكيم باللون الأسود.
وفي أسفل الصورة على اليمين توقيع صاحب اللوحة، وعلى اليسار اسم الناشر.
ثانيا:
القراءة التحليلية:
1-
أحداث فصول المسرحية:
*
أحداث الفصل الأول:
- استيقاظ الفتية من نومهم ، وإحساسهم بالضعف والإنهاك في أجسادهم
- تساؤلهم حول المدة الزمنية التي قضوها نياما داخل الكهف
- تكليف يمليخا بالخروج لإحضار طعام يطفئون به جوعهم
- خروج يمليخا ومقابلته أحد الصيادين
- فزع الصياد من المظهر الغريب ليمليخا وفراره بعد أن قدم له نقودا من
عهد الملك ديقيانوس
- وصول الخبر إلى أهل المدينة عن طريق الصياد ومجيئهم إلى الكهف بحثا عن
الكنز الذي اعتقد الصياد أن يمليخا يملكه
- فزع أهل المدينة من الفتية وخروجهم من الكهف هربا لإخبار الملك
*
أحداث الفصل الثاني:
- وصول الخبر إلى الملك ، و إحساسه بالسعادة لظهور أهل الكهف في عهده لا
سيما بعد أن أخبره غالياس بأنهم قديسون من زمن الملك ديقيانوس
- إحضار أهل الكهف إلى القصر واحتفاء الملك بقدومهم
- استئذان الملك ليسمح لهم بمغادرة القصر للاطمئنان على ما تركوه قبل
نومهم (يمليخا : الأغنام) و (مرنوش : ابنه وزوجته)
- اكتشاف الراعي (يمليخا) حقيقة نومهم ، واحساسه بالصدمة ، مما دفعه إلى
الرجوع للكهف وحيدا
*
أحداث الفصل الثالث:
- صدمة مرنوش لموت ابنه وزوجته واكتشاف الحقيقة ثم رجوعه إلى القصر ليخبر
مشلينيا بالخبر ، ويدعوه للالتحاق به في الكهف
- حزن مشلينا لموت أهل مرنوش ، ولكن لم يصدق أنهم ناموا ثلاثمائة
عام.
- التقاؤه ببريسكا معتقدا أنها هي القديسة التي أحبها ، وتذكيرها بالعهد
الذي قطعته على نفسها بأنها لن تتزوج سواه
- صده من طرف الأميرة دفعه إلى مغادرة القصر لكي يلتحق بصاحبيه في الكهف.
*
أحداث الفصل الرابع:
- استيقاظهم بعد شهر من عودتهم للكهف وتحاورهم حول ما حدث معهم ،
معتقدين أنه مجرد حلم.
- موت يمليخا ومورنوش وتشبث مشلينيا بالحياة
- مجيء بريسكا إلى الكهف واعترافها بحبها لمشلينيا الذي لفظ أنفاسه
الأخيرة بعد إحساسه بالسعادة والفرح.
- قرار بريسكا البقاء في الكهف ليغلق عليها رفقة القديسين وتموت معهم.
2
- شخصيات المسرحية:
تضم مسرحية أهل الكهف مجموعة من الشخصيات أهمها : مشلينيا – مرنوش – يمليخا
أ- الشخصيات الرئيسية:
يوضح
الجدول التالي الأوصاف الجسمية والنفسية والاجتماعية لهذه الشخصيات :
الشخصيات |
الأوصاف الجسمية |
الأوصاف النفسية |
الأوصاف الاجتماعية |
مشلينيا |
لحية وأظافر
طويلة، وشكله غريب ومخيف، كأنه شبح |
مؤمن متخف - رومانسي – يؤمن
بالعاطفة والقلب والوجدان – يحب بريسكا – وفي ومخلص في حبه |
وزير للملك ديقيانوس ثم قديس
بعد خروجه من الكهف |
مرنوش |
نفس الأوصاف الجسمية لسابقه |
وفي لأسرته المسيحية، ومتشوق
لرؤية ابنه وزوجته، شخصية عقلانية تؤمن بالعقل على خلاف مشلينيا الذي يؤمن
بالقلب. |
نفس الأوصاف الأوصاف
الاجتماعية لسابقه |
يمليخا |
نفس الأوصاف الجسمية لسابقه |
متشوق إلى غنمه – شخص قنوع
ومؤمن بقدره – أكثر الشخصيات الثلاث إيمانا بالمسيحية. |
راعي أغنام ثم قديس بعد خروجه
من الكهف |
- ب- الشخصيات الثانوية:
إلى جانب الشخصيات الرئيسية نجد شخصيات أخرى
تلعب أدوارا تتفاوت بين المهمة إلى الظهور العابر ويمكن أن نذكر منها الشخصيات
التالية:
-
ديقيانوس (الملك الظالم) - الجنود – الملك
الصالح – الأميرة بريسكا – المؤدب غالياس ... وآخرون.
-
كما يمكن تصنيف شخصيات المسرحية إلى:
** شخصيات تتسم بالقداسة والغرابة: مرنوش – مشلينيا – يمليخا - بريسكا
** شخصيات سلطوية: دقيانوس – الجنود
- 3- الفضاء الزماني والمكاني للمسرحية:
الفضاء الزماني |
الفضاء المكاني |
-
زمن الحكم الوثني: وهو عصر ديقيانوس الملك الذي اقترف مذبحة في حق المسيحيين قبل
ثلاثمائة سنة من استيقاظ أهل الكهف من نومهم. -
زمن
الحكم المسيحي: وهو عصر استيقاظ أهل الكهف من نومهم، حيث صارت للمسيحية مكانتها
وحفظت للمسيحيين كرامتهم وحريتهم. |
-
المكان
العام: مدينة
طرسوس -
المكان
الخاص: الكهف
– القصر – بيت مرنوش – القبر حيث دفنت زوجته وابنه |
تعليقات
إرسال تعليق