القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر الأخبار

أخر الاخبار

تحليل مؤلف ** رجوع إلى الطفولة ** ليلى أبو زيد


تحليل مؤلف ** رجوع إلى الطفولة ** ليلى أبو زيد


        أولا: تأطير المؤلف وملاحظة عتباته :       

      1/1) عتبة العنوان :
    يتكون العنوان من الناحية التركيبية من جملة إسمية ، الخبر فيها أتى نكرة والمبتدأ محذوف ، وكأن الجملة وقعت فيها خلخلة. أما من الناحية الدلالية فالكاتبة ليلى أبو زيد متعلقة بطفولتها، ترجع من الحاضر الى الماضي لما تحمله هذه المرحلة العمرية من آثار نفسية عميقة ساهمت في تكوين شخصيتها. حذف المبتدأ رغبة من الكاتبة في نسيان هذه المرحلة السوداء .
           1/2) عتبة الصورة :
   هذه الصورة الفوتوغرافية باللونين الأبيض والأسود ، تنتقل من كونها صورة الى وثيقة تاريخية ، تؤرخ لمرحلة مهمة من عمر الكاتبة ميزت طفولتها وبقيت راسخة في ذهنها ، وأثر في نفسيتها .
   ترمز الى شيئين :
     أ ) الأسود : مرحلة الطفولة التي تميزت بالبساطة والخوف من المجهول ، تظهر في الصورة طفلتان إحداهما تكبر الأخرى ، إحداهما تلتفت الى الوراء وكأنها خائفة من شيء مجهول ، وأمامهما جدار وهو رمز للعوائق والنوائب التي واجهتها العائلة .
   ب) الأبيض : الغد المشرق الذي تنشده الكاتبة والحياة الفضلى التي ترغب فيها .
        1/3) الفرضيات :
  - رجوع الى الطفولة نبش في الذاكرة.
 - رواية رجوع الى الطفولة تصوير للحالة الاجتماعية والنفسية للأسرة المغربية.
      
1/4) توثيق النص :
  رجوع الى الطفولة  رواية للكاتبة المغربية ليلى أبو زيد .
     
1/5) صاحبة النص :
    ليلى أبو زيد كاتبة مغربية ، ولدت سنة 1950 في إحدى القرى المغربية ، عاشت مرحلة الاستعمار وما عرفتها هذه المرحلة من تقلبات سياسية واجتماعية وثقافية ... وقد انعكست هذه الآثار في كتابتها السيرة الروائية "رجوع الى الطفولة ".
    
1/6) نوعية النص :
     السيرة  فن من فنون الكتابة النثرية يسعى من خلالها الكاتب الى التوقف عند أحداث مهمة في حياته .
    والسيرة تنقسم الى قسمين : سيرة ذاتية وهي التي يتحدث فيها الكاتب عن نفسه ، وسيرة غيرية وهي التي يتحدث فيها الكاتب عن غيره .
   والكاتبة ليلى أبو زيد في هذا النص الروائي تكتب عن نفسها بأسلوب مسحته الواقعية ، وتعدد الصور المتمثلة في شكل أحداث وعلاقات أسرية اجتماعية يسودها التنافر والاضطراب في الغالب .

 

 

ثانيا: القراءة التوجيهية والتحليلية:

 الفصل الأول: القصيبة

ملخص الفصل الأول " القصيبة "

      ابتدأت الكاتبة الفصل بانتظار الحافلة للتنقل الى" بني ملال" حيث بيت الجد، وهنا تشير الى صعوبة التنقل، كما تصف أشكال السخرية المتبادلة بين الجد من قبل الأم وعائلة الأب، وتستطرد في سرد قصة جدها الذي ذهب الى فاس ولم يرقه غذاء الفاسي، وتظهر إعجابه بالمدينيات الشيء الذي ترتب عنه تزوجه من" صفرو" خرقا للقاعدة.

      وتنتقل الى السحر الذي وجدته الأم في عتبة الباب، وقد وضع للتفريق بين فاضمة وأحمد، كما وصفت عودة الكلب "رباح" 

وتستطرد في قصة أحمد زوج زبيدة الذي خادع صديقه وسرق خزانة الذهب. كما تصف بعد ذلك الأم والجدة والاستعدادات لاستقبال الضيوف (القايد الجيلالي) من فاس، وتطيل في وصف الغذاء وكؤوس الشاي وتجاذب أطراف الحديث والغناء، ثم تنتقل للحديث عن قصة اعتقال والدها "أحمد أبو زيد" بسبب نقل أخبار المستعمرين للوطنيين، وكيف نقل الى" الرباط" مشيا على الأقدام، ومنع العائلة من زيارته، لتنهي هذا الفصل بالحديث عن الصراع بين الجد الذي استولى على فراش الأم لتنتقل هذه الأخيرة الى المحاكم.

 

        2/1) الأمكنة في الفصل:

 المكان الرئيسي في هذا الفصل : " القصيبة " وإن تعددت كالإشارة الى المدرسة والمستوصف والمحطة ...

       2/2) الأزمنة في الفصل:

    تنقسم الأزمنة إلى قسمين: أولا، عامة وهي فترة الاستعمار، وخاصة وهي إشارة الكاتبة الى: الغد - السابعة والنصف - الفجر - المساء - الصباح ...

     2/3) العلاقة بين الشخصيات والأمكنة:

  تتعدد العلاقات في النص بين الشخصيات والأمكنة، وترتبط ارتباطا وثيقا، نجد مثلا الجدة لا تريد المكوث طويلا عند إبتها في القصيبة وتتشبث بصفرو باعتباره مسقط رأسها، كما أن الجد رغم تنقله وكثرة سفره بسبب التجارة فإنه كثير الاستقرار ببني ملال.

      2/4) الشخصيات:

تحضر في الفصل الأول شخصيات كثيرة يمكن تقسيمها إلى شخصيات رئيسية وأخرى ثانوية.

-         الشخصيات الرئيسية: الأم فاطمة – الطفلة ليلى – الجدة – الأب أحمد أبو زيد

-         الشخصيات الثانوية: الجد من الأب – جميعة - مولاي علي الشريف – زوجة مولاي علي – القايد الجيلالي – أحمد زوج زبيدة...

 

      2/4) العلاقة بين الشخصيات:

  تكثر العلاقات بين الشخصيات وتتنوع حتى يمكننا أن نقول: إن لكل شخصية ذكرت في النص علاقة بباقي الشخصيات.

     -   علاقة الأم بالجدة: علاقة حب وعطف وأمومة.

      -  علاقة الأم بجميعة: علاقة عتاب باعتبار هذه الأخيرة استعملت أحمر الخدود في فترة كانت الأم حزينة على موت ابنتها خديجة.

    -  علاقة بغض وحقد وكراهية وعداوة بين الأم وكبورة بسبب عدم تزوج الأخيرة ب "أحمد أبي زيد "، ثم بين الأم والذين وضعوا السحر للتفريق بينها وزوجها، وبين الأم والجد الذي سارع الى أخذ أمتعتها بعد سجن زوجها، وأخيرا علاقة الكراهية الشديدة بين أحمد أبي زيد ممثلا للوطنيين والمستعمر الفرنسي.

      5) القضايا المطروحة في الفصل:

- إيمان الوطنيين بضرورة تحرير الوطن من الاستعمار والتضحية بالغالي والنفيس.

- ضعف البنية التحتية في فترة الاستعمار وقلة وسائل النقل.

- الاشارة الى وجود فوارق طبقية بين العائلات.

-معاناة عائلات الوطنيين من جراء ظلم المستعمر.

- الرشوة والشعوذة والسحر ظواهر نخرت المجتمع المغربي وأثرت فيه.

-تدخل الآباء يشكل ملحوظ في حياة أبنائهم.

- الروابط المتينة التي تربط الأسر المغربية بعضها ببعض من خلال تبادل الزيارات.

 

 الفصل الثاني "صفرو"

1) ملخص الفصل الثاني:

في هذا الفصل تصل أخبار الى العائلة مفادها أن أحمد متزوج من امرأة أخرى، وأنها تزوره في السجن لتكتشف العائلة أن هذه المرأة هي " تريا السقاط" كان أيضا زوجها " محمد الآسفي "سجينا ممنوعا من الزيارة. وكانت تزوره باسم مستعار، ثم تنتقل للحديث عن معاناة السجناء والوطنيين من طرف المستعمر الفرنسي (النصارة).

   ثم تنتقل للحديث عن سجال الأم والخالة خناتة حول دخول البنتين الى المدرسة، وتسرف في وصف عملية الغسيل، والذهاب الى الحمام يوم الخميس وكرهها له، وتحكي أجواء الحمام والصراع بين النساء والمباهاة والنميمة.

   وانتقلت الى دخولها المدرسة الخاصة بالبنات، وتفوقها في الفصول الدراسية، وتعلمها صنع عقد" القفاطين " وذكرت الحوارات التي كانت تدور بين النساء في مجالسهن حيث لا يتركن موضوعا إلا وخضن فيه. وتشير في هذا الصدد الى علاقة أهل صفرو باليهود حيث ساد التسامح بينهم، وتشير الى مجموعة من القصص المثيرة كقصة الشريفة المتسولة، وقصة الفاسي الذي زوج سيدي محمد عجوزا شمطاء بدل ابنته الصغيرة الجميلة... كما تسهب في وصف السهرات مع الجدة وتبادل الألغاز والحكايات.

كما وصفت قرية صفرو وأهم الأحداث التي عرفتها في طفولتها مثل: فتاة تتزوج من ابن القائد وفتاة تهرب مع حبيبها ...

 

       2) الأمكنة في الفصل:

  تتعدد الأمكنة يمكن أن نذكر منها: صفرو، سلا، الحمام، المدرسة، السجن ...

      3) الأزمة في الفصل:

  تنقسم الأزمنة الى قسمين :  أولا ، عامة وهي فترة الاستعمار ، وخاصة وهي إشارة الكاتبة الى : الغد - السابعة والنصف - الفجر - المساء - الصباح ...

        4) الشخصيات:

* خناتة: خالة ليلى وهي شخصية رئيسية.

* ثريا السقاط: زوجها " محمد الآسفي" من الوطنيين سجين وهي تشارك أم ليلى نفس المعاناة.

* الشريفة: شخصية عابرة.

          العلاقة التي تربط بين الشخصيات والأمكنة علاقة متينة بسبب الارتباط والألفة به.

   أما من حيث العلاقات بين الشخصيات فيما بينها، فهي علاقة حقد وكراهية بين الوطنيين والنصارى (المستعمر) يقابلها علاقة المودة بين المتعلمات في الحي، وعلاقة تعاون وتسامح بين اليهود والجدة وأم الكاتبة وأخيرا علاقة تعاطف بين الأم وتريا السقاط إذ هما في نفس المحنة (اعتقال الزوجين). وختاما علاقة صراع بين النساء في الحمام.

      5) القضايا المطروحة في الفصل:

- اضطهاد المستعمر الفرنسي للمعتقلين المغاربة الوطنيين.

- تمسك الوطنيين بوطنهم وتقديم أرواحهم فداء له.

- التعايش والتسامح بين المغاربة المسلمين وأهل الديانات الأخرى.

- رفض تعليم الفتاة المغربية بدعوى أنها ستتزوج وتصبح أما.

- إدخال اليهود عاداتهم الى المغرب.

- اعتماد العائلات المغربية على الحكي والأدب الشعبي ...كوسيلتين للترفيه عن النفس.

     

الفصل الثالث: الدار البيضاء  

1) ملخص الفصل الثالث " الدار البيضاء "

تستهل الكاتبة هذا الفصل بالسكن ببني ملال ومدرسة محمد جسوس ومدرسها وقسمها الداخلي ومكتبة القسم ، وكيف كانت تروي القصص لزميلاتها في الداخلية ، ومنع المشرفة لها من الصيام ، ثم تحكي عن عطلتها في القصيبة في بيت الحاكم الفرنسي الذي أصبح بيت العائلة ، كما تحكي عن زيارتها لأحد بيوت أصدقاء الوالي حيث وجدت امرأة وجيهة كهلة قدمت لها هدية في الرباط ، غضب أبوها لما رآها ، وأعادها لها لأنها سيئة السمعة ، ثم تحكي عن انتقال الأب الى مدينة الدار البيضاء ليستقر أخيرا مع تلك المرأة الموصوفة بالسيئة السمعة ، ويكتفي بإرسال المصروف مع السائق الى الأسرة الى أن سجن من جديد مع مسيري الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بتهمة مؤامرة سنة 1963م.

    ثم تحكي عن ثانوية مولاي يوسف وعن الأستاذ " مولاي علي العلوي " الذي كان متحررا مع تلاميذه طليقا يناقشونه في كل شيء خاصة الأمور السياسية. كما تصف الأب وعلى وجهه آثار التعذيب في سجن القنيطرة.

    وتقتطف مجموعة من الآراء للاتحاديين الذين أصيبوا بالصدمة، يعبرون عن آرائهم في الديمقراطية بالمغرب، وموقفهم من حكومة " باحنيني" أنذاك مقارنة مع الحكومة في الجزائر.

     كما تحكي عن الأب الذي اختار العيش مع عشيقته بدل الأسرة، ولم يعد لزيارة عائلته إلا بعد انفصاله عنها، وهنا تصف كيف كانت تدخل مع أبيها في نقاش حاد حول مجموعة من الأمور التي لم تجد لها جوابا حتى بعد وفاة أبيها سنة 1982

        2) الأمكنة في الفصل:

   تتعدد الأمكنة في هذا الفصل نذكر من ذلك البيضاء والسجن العسكري، ودار البراد، مدرسة المعارف، مراكز الشرطة، الحافلات والقطار...

       3) العلاقات بين الشخصيات والأمكنة

  الشخصيات الرئيسية في هذا الفصل: الأم والأب، وتحضر شخصيات تختلف أدوارها حسب الأهمية نذكر منهم: حسن العريبي ...

   العلاقة بين الشخصيات يسودها الحب والصداقة بين ليلى وصديقاتها ، ويقابل ذلك علاقة الكراهية والانتقام  بين عميد الشرطة وعائلة أحمد أبي زيد .

         4) القضايا المطروحة في الفصل:

- عرض مساهمة المرأة في تحرير البلاد من الاستعمار وذلك بمساعدتها الوطنيين.

- تعرض البلاد العربية الإسلامية إلى الاستعمار .

-الحرب الاقتصادية التي اعتمدها الوطنيون للضغط على فرنسا بمقاطعة منتجاتها.

- وجود عناصر في المجتمعات تستغل الأوضاع للربح السريع.

-تفشي الرشوة بين السجانين وفساد الإدارة.

 الفصل الرابع " الرباط"

1) ملخص الفصل

      تستهل الكاتبة الفصل بالحكي عن ألمها لفراق صديقاتها ، وتصالح أمها مع الجد ، ودخولها مدرسة " المعارف " حيث أخذت العربية من منابعها ، وتصف أحداث " البيضاء " بين الفدائيين والمستعمر الفرنسي ، واعتقال الأب مرة ثانية ، ومساعدة الوطنيين الأسرة ، وعن خروج الأب من السجن وعمله بالبيضاء في " دار البراد " بطريق مديونة في الإدارة مع السي مصطفى حيث أخذ يوصل السلاح إلى " حسن العريبي " الذي وشى به ، ليعتقل أبو زيد من جديد في السجن العسكري ، وهنا تصف الكاتبة أوجه التعذيب وأثره على والدها وعلى بنية السجناء،

      كما تحكي عن ازدياد "سعاد " وتزامن ذلك مع عودة ابن يوسف ومع الاستقلال ، وتعيين والدها "باشا" بني ملال ، لتنتقل للحديث عن الوطنيين الذين اعتقلوا لوضعهم قنبلة في متجر يهودي  وهنا يتدخل الأب لتخفيف العبء والعذاب عن المعتقلين ليسجن من جديد ، وينتقل إلى" غبيلة "  ، وتحكي في هذا الصدد دور أمها في إنقاذ السجين المحكوم بالإعدام لقتله المقدم .

     لينتهي الفصل بالحديث عن الاحتفال بتنصيب أبيها باشا بني ملال ، والعقيقة في يوم واحد ، وكيف حاول عميد شرطة بني ملال أن ينتقم من الأسرة .


           2) الأمكنة في الفصل :

   أهم الأمكنة في هذا الفصل السجن  سجن القنيطرة بالنسبة للأب ، ثم فضاء الداخلية بالنسبة لليلى في الوقت الذي تتعدد فيه الأمكنة : الثانوية ، محكمة الاستئناف والمدارس ، والرباط بالخصوص حي الليمون  .

          3) الأزمنة في الفصل :

   تركز الكاتبة في هذا الفصل على زمنين : ما قبل الاستقلال ، وما بعده ، وتنتهي الأحداث بوفاة والدها .

          4) العلاقات بين الشخصيات :

   علاقة تحدي بين ليلى والمشرفة على المطعم ، فالكاتبة ترفض الانصياع لأوامرها وتصوم ، وعلاقة بغض وكراهية بين الأسرة والمرأة السيئة السمعة التي كانت تربطها بالأب علاقة حب .

      علاقة انتقاد بين الاتحاديين والحكومة ، واضطهاد وقمع بين البوليس السري والمواطنين

       5) القضايا المطروحة في الفصل :

-نهج حكومة المغرب سياسة غير ديمقراطية حقيقية بالإضافة إلى القمع .

 - بُعد حكومة المغرب عن الديمقراطية الحقيقية وقمعها المعارضة.

 - ظاهرة الخيانة الزوجية.

-  الوعي السائد بين أطفال المدارس من الناحية السياسية خاصة، وذلك راجع إلى رغبتهم في التعلم والتكوين، يظهر ذلك من خلال إنشائهم خزانة في القسم يتناوبون على قراءتها و يُسْهِمون في إغنائها. كما يظهر ذلك من خلال مناقشتهم لأساتذتهم في مجموعة من المواضيع خاصة السياسية.

-  رغم الوسائل التقليدية، يظهر أن التعلم كان منتجا لمجموعة من المفكرين و لطبقة طلابية واعية بحقوقها.

ثالثا: القراءة التركيبية:


        تحكي "رجوع إلى الطفولة" وضعية المغرب بين زمنين : زمن الاستعمار الفرنسي، وهو الزمن المهيمن حكاية والمؤثر خطاباً، ثم زمن الاستقلال الذي ينتهي به النص لينفتح على أسئلة مرحلة الاستقلال، وهو زمن لم يشكل ثقلاً حكائياً وخطابياً، ويحضر فقط كإشارات -لكنها قوية- عن التغييرات التي حدثت لمجموعة من الذين قاوموا الاستعمار ومنهم والد الساردة.

     تشكل الزمن الأول من أحداث اجتماعية وسياسية، تمحورت حول أم الساردة – الكاتبة، وحياتها وترحالها وانتقالاتها بين مدن عديدة بحثاً عن زوجها / والد الساردة الذي كان الاستعمار يعتقله كل مرة.

نلاحظ في مستوى هذه الحكاية أن الساردة – الكاتبة وإن كانت هي الحاكية لنص "رجوع إلى الطفولة"  لأنها المعنية بحكي سيرة ذاتها، فإن ضميرها/ ذاتها لا يدخل مجال النص منفردا،  وإنما ينخرط مع الافتتاح السردي لهذه السيرة في نون الجماعة. تقول : "توقفت الحافلة في الطريق الرابطة بين فاس ومراكش عند علامة القصيبة على حافة منعرج جانبي صاعد في الأطلس المتوسط ونزلنا وأنزل مساعد السائق متاعنا ثم انطلقت الحافلة بسرعة، وقطعنا الطريق" (ص9). ثم بعد ذلك، تقف عند مستوى تسليم دور السرد إلى ضمائر أخرى، فتصبح وظيفتها هي التوزيع والترتيب والتنظيم.

   تأخذ الأم دور الساردة الرئيسية أو الشخصية المحورية، والذات الفاعلة بامتياز في مجرى أحداث هذه السيرة، نبدأ بهذا الشكل نبتعد – تدريجياً – عن شبه المتفق عليه نصياً ونظرياً للسيرة الذاتية، وذلك عندما تتراجع ذات الساردة/ الكاتبة، وتحل محلها ذات الأم وبجانبها ذوات أخرى حاكية مثل الجدة.

    في هذه السيرة تشكل ذات الأم حالة خاصة تنكتب لتوثق للحظة تاريخية من زمن المغرب، لحظة بدأت فردية تخص علاقتها بزوجهات "أحمد أبو زيد" الذي كانت له مواقف ضد الاستعمار الفرنسي، فتم اعتقاله، وبسبب ذلك واجهت مشاكل اجتماعية مع عائلة زوجها مما جعلها تأخذ بناتها وتغادر بيت الزوجية.

      لا شك أن الساردة –الكاتبة ليلى أبو زيد – بمحاولة استعادتها لطفولتها، أرادت استحضار الأم التي صنعت هذه الطفولة، وفعلت في زمنها وتاريخها. وهي بفعل بناء السيرة بهذا الشكل مع طريقة الحكي المعتمدة على استثمار مختلف أشكال الحكي الشعبي (حكايات الجدة، أحاديث النساء...) وكذا الأصوات واللغات الاجتماعية التي ميّزت هذه الكتابة، بإدراج سياقاتها التلفظية ما أغنى هذه السيرة، وجعلها تخلق تنوعها من داخل بنيتهاّ؛ فإن الساردة – الكاتبة أنتجت معرفة جدية حول زمن الاستعمار، ومرحلة من تاريخ المغرب وذلك عندما أخرجت ذات الأم (المرأة المغربية) من الصمت التاريخي وأحيتها سردياً، وأدخلتها المجال النصي ثم دفعت بها نحو الإنجاز الإخباري، فحدث أن حمل هذا الإنجاز أفعالاً أنتجتها الأم فيما هي تبحث عن اكتمال هويتها، لأن دخول زوجها (أحمد بو زيد) إلى السجن جعلها تفقد الآخر الذي به تكتمل، وهذا ما دفع بعائلة زوجها إلى الزج بها في مشاكل كثيرة، فكان عليها أن تخرج وتبحث عن اكتمالها، عن زوجها وذاتها التي أصبحت مهددة في وجودها داخل بنية اجتماعية تحكمها الأعراف أكثر من القوانين.

     بهذا الحضور القوي للأم يتحول رهان السيرة من الحكي عن الخاص والفردي والذاتي إلى الحكي عن العام والاجتماعي، عن الأم والتاريخ، أو بالأحرى عن المرأة – عن النساء – عن دور المرأة في المقاومة.. وفي تجاوز الإكراهات والوصول إلى السجن ومد المعتقلين بالأخبار وإيصال الأسلحة إلى المقاومين، عن دور المرأة المغربية في مقاومة الاستعمار الفرنسي.

ولعل الأم وطبيعة حضورها لم تؤثر فقط في مجرى الأحداث، بقدر ما فعلت في الأسلوب والبناء.


إلى اللقاء مع مشاركة جديدة

مع تحيات الأستاذ ابراهيم الموذن.



    

 

تعليقات