لم تعد تنتسب إلى عالمي (عبد المجيد بن جلون)
النص:
1 . عَاشَتْ اَلْفَتَاةُ « كُلُودِيتْ » فِي مَرَاكِش عَشَرَ سَنَوَاتٍ ، اِكْتَشَفَتْ خِلَالَهَا حَيَاةٌ اَلْمَرَاكِشِيِّينَ اَلْخَالِيَةَ مِنْ اَلرِّيَاءِ وَالتَّصَنُّعِ . وَتَعَرَّفَتْ « كُلُودِيتْ » فِي اَلسَّنَةِ اَلْأَخِيرَةِ اَلْفَتَى « هِنَرِي » ، وَاقْتَنَعَ اَلْاِثْنَانِ بِأَنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ خَلَقَ لِلْآخَرِ . وَكَانَتْ خُطْبَتُهُمَا عَلَى وَشْكِ أَنْ تَنْقَلِبَ إِلَى زَوَاجٍ ، فَإِذَا بِوُحُوشِ اَلْحَرْبِ تَنْطَلِقُ مِنْ عِقَالِهَا ، وَتَسَوُّقَ اَلشَّبَابِ إِلَى مَيَادِينِ اَلْقِتَالِ ، وَمِنْ بَيْنِهِمْ « هِنَرِي » بَكَتْ اَلْفَتَاةُ وَهِيَ تُوَدِّعُ خَطِيبَهَا وَشِيعَتَهُ بِدُمُوعِهَا وَهُوَ يَغِيبُ عَنْ نَظَرَاتِهَا لِتَرْجِعَ إِلَى اَلْحَيَاةِ وَحِيدَةً . وَفِي غِيَابِهِ اِنْقَلَبَتْ أَحَادِيثَهُمَا اَلطَّوِيلَةَ إِلَى رَسَائِلَ يَسْعَى بِهَا اَلْبَرِيدُ بَيْنَهُمَا . وَبَعْدٌ مُدَّةٍ رَجَعَ إِلَيْهَا « هِنَرِي » وَأَخْبَرَهَا بِأَنَّهُ رُقِّيَ إِلَى رُتْبَةِ ضَابِطٍ وَلَنْ يَعُودَ إِلَى اَلْمَيْدَانِ ، بَلْ سَوْفَ يَظَلُّ فِي مَرَاكِش .
2 - اِسْتَيْقَظَتْ « لُودِيتْ » ذَاتِ صَبَاحُ عَلَى صَيْحَاتٍ مُدَوِّيَةٍ فِي اَلشَّارِعِ ، فَلَمَّا تَسَاءَلَتْ عَنْ اَلْخَبَرِ ، قِيلَ لَهَا إِنَّ اَلشَّعْبَ اَلْمَغْرِبِيَّ يَتَظَاهَرُ لِأَجَلِ اَلْحُصُولِ عَلَى حُقُوقِهِ ، إِنَّهُ يُرِيدُ اَلْحُرِّيَّةَ وَالِاسْتِقْلَالَ ، وَاسْتَمَرَّ اَلْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ أَيَّامٌ مُتَوَالِيَةٌ وَالْمَدِينَةُ مُضْطَرِبَةٌ هَائِجَةٌ .
3 - أَمَرَ اَلْفَرَنْسِيُّونَ جُنُودَهُمْ بِالْقَضَاءِ عَلَى اَلْحَرَكَةِ بِحَدِّ اَلسِّلَاحِ . وَفُوجِئَتْ « لُودِيتْ » وَهِيَ مَارَّةٌ فِي اَلشَّارِعِ إِذْ أَبْصَرَتْ « هِنَرِي » فِي لِبَاسِ اَلْمَيْدَانِ وَهُوَ مُدَجَّجٌ بِالسِّلَاحِ . يُلْقِي اَلْأَوَامِرَ هُنَا وَهُنَاكَ . نَعِمَ « هِنَرِي » يَأْمُرَ بِإِطْلَاقِ اَلرَّصَاصِ عَلَى اَلْأَبْرِيَاءِ اَلْعَزْلُ !
4 - وَسَأَلَتْهُ أَوَّلَ مَا جَاءَ : « هِنَرِي » ! كَيْفَ تَأْمُرُ بِإِطْلَاقِ اَلنَّارِ عَلَى اَلْأَهَالِي ؟ فَابْتَسَمَ وَهُوَ يَقُولُ : لِأَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ ضِدُّ فَرَنْسَا . - وَلَكِنَّهُمْ يَطْلُبُونَ اَلْحُرِّيَّةُ اَلَّتِي تَطْلُبُهَا فَرَنْسَا . - مِنْ اَلَّذِي عِلْمُكَ هَذِهِ اَللُّغَةِ اَلْجَدِيدَةِ ؟ لَا تَنْسَيْ أَنَّ فَرَنْسَا فَوْقَ اَلْجَمِيعِ يَا « كُلُودِيتْ » ! - « هِنَرِي » ، هَذَا مُرَوِّغْ ! إِنِّي لَا أُصَدِّقُ مَا أَسْمَعُ ، إِلَّا تُؤْمِن بِأَنَّ هَؤُلَاءِ أُنَاسُ مِثْلِنَا يَجِبُ أَنْ يَتَمَتَّعُوا بِمَا نَتَمَتَّعُ بِهِ ؟ - فَتَضَاحَكَ : تَسْمِينُ هَؤُلَاءِ هَكَذَا ؟ هَذِهِ اَلْحَيَوَانَاتِ ! - أَرْجُوكُ يَا « هِنَرِي » أَلَّا تَقُولَ هَذَا ، إِنِّي أُحِبُّكَ لِأَنَّكَ إِنْسَانٌ ، فَارْحَمْنِي وَلَا تَتَكَلَّمْ هَكَذَا . - أَنَّ مُسْتَقْبَلِي يَتَوَقَّفُ عَلَى هَذَا ، لَقَدْ أَصْبَحَتْ لِي أَطْمَاعٌ فِي اَلْجَيْشِ ، أُرِيدُ أَنْ أَرْقَى . - هَلْ تُرِيدُ أَنْ تَرْقَى بِوَاسِطَةِ قَتْلِ اَلْأَبْرِيَاءِ ؟ - لَيْسُوا أَبْرِيَاء ، إِنَّهُمْ يَتَّصِفُونَ بِرَذِيلَةِ اَلْعَمَلِ ضِدَّ فَرَنْسَا . - لَا تُقِلُّ ضِدَّ فَرَنْسَا ، وَلَكِنْ قَلَّ إِنَّهُمْ يُحِبُّونَ اَلْحُرِّيَّةُ . . - حَيَوَانَاتٌ تُرِيدُ اَلْحُرِّيَّةُ ! رَاعَهَا تَمَادِيهِ وَاسْتِخْفَافُهُ ، فَصَاحَتْ بِهِ : إِنِّي لَا أَسْمَحُ لَكَ بِأَنْ تُسَمِّيهِمْ حَيَوَانَاتٌ . فَأَنَا أَعِيشُ مَعَهُمْ وَأَحَبَّهُمْ وَهُمْ يُبَادِلُونَنِي هَذَا اَلْحُبِّ ، فَحُكِّمَكَ عَلَيْهِمْ حُكْمُ عَلِي أَنَا . فَقَالَ لَهَا وَقَدْ بَدَأَ يَتَضَجَّرُ : يُظْهِرَ أَنَّ إِقَامَتَكَ بَيْنَهُمْ قَدْ آنَسَتْكَ فَرَنْسَا . فَلَذْعَتُهَا كَلِمَاتُهُ وَصَاحَتْ فِي غَضَبٍ : " أَنَا لَمُّ أَنَسْ فَرَنْسَا يَا « هِنَرِي » " . - إِذَا ، فَلِمَاذَا تَحَبِينَهَمْ ؟ - وَأَعْجَبَا ! هَلْ فِي حُبِّهِمْ نِسْيَانَ فَرَنْسَا ؟ - أَنَا أَعْتَقِدُ ذَلِكَ . - « هِنَرِي » يَا حُبَيْبِيٌّ أَرْجُوكُ ، قَلَّ إِنَّكَ هَازِلْ ، إِنَّ عَالِمًا مِنْ اَلْمَعَانِي اَلسَّامِيَةِ يَنْهَارُ أَمَامِي اَلْآنَ ، مَتَى كَانَ أَبْنَاءُ فَرَنْسَا جَزَّارِينَ ؟ - لَا تَقُولِي جَزَّارِينَ ، نَحْنُ حَمَاةَ فَرَنْسَا ! رَدَّتْ عَلَيْهِ حَانِقَةً وَهِيَ تَبْتَعِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا : " إِذًا اَلْوَدَاعُ يَا « هِنَرِي » . اَلْوَدَاعُ ! سَأَخْتَفِي عَنْكَ إِلَى اَلْأَبَدِ لِأَنَّكَ لَمْ تَعُدْ تَنْتَسِبُ إِلَى عَالَمِيٍّ . لَقَدْ أَصْبَحَتْ شَخْصًا آخَر . لَوْ أَبْصَرَتْكَ أُمُّكَ لَأنِّكِرْتَكْ يَا « هِنَرِي » . اَلْوَدَاعُ اَلْوَدَاعُ ! اِذْهَبْ أَنْتَ إِلَى صُفُوفِ اَلطُّغَاةِ ، أَمَّا أَنَا فَذَاهِبَةُ إِلَى صُفُوفِ اَلْأَبْرِيَاءِ . أَجْلٌ سَوْفَ أَسِير مَعَهُمْ فِي اَلشَّوَارِعِ وَسَوْفَ أَمُوتُ مَعَهُمْ وَأُحَاوِلُ أَنْ أَمْسَحَ عَنْ فَرَنْسَا مَا أَلْحَقْتُمْ بِهَا مِنْ عَارٍ . وَإِذَا وَاجَهَتْنِي فِي اَلصُّفُوفِ اِسْتَمَرَّ فِي اَلْأَمْرِ بِإِطْلَاقِ اَلنَّارِ وَامْزُجْ دَمِي بِدِمَائِهِمْ . اَلْوَدَاعُ يَا « هِنَرِي » ! اَلْوَدَاعُ ! " .
عَبْدُ اَلْمَجِيدْ بْنْ جَلُّونْ ( وَادِي اَلدِّمَاءِ " بِتَصَرُّفٍ )
أولا: تأطير النص:
1-
صاحب النص:
هو هو الكاتب والأديب المغربي، عبد المجيد بن جلون
من مواليد مدينة الدار البيضاء سنة 1919، رحل
به أبوه إلى مانشسترفي انجلترا وهو في الخامسة، وعاد إلى فاس وهو في التاسعة، حيث
تلقى تعليمه في الابتدائي والثانوي والكتاب، ليلتحق بعد ذلك بجامعة القرويين، عاش
سنوات في مصر حيث حصل فيها على الإجازة في الأدب وديبلوم المعهد العالي للترحرير
والترجمة، عاد إلى المغرب بعد الاستقلال وشغل منصب مدير تحرير جريدة
"العلم". توفي سنة 1981.
من مؤلفاته:
- وادي الدماء. قصة
- في الطفولة: سيرة ذاتية.
- براعم: شعر.
- لولا الإنسان: قصص.
ثانيا: فهم النص:
- الرياء: يظهر الإنسان للناس خلاف ما هو عليه لينال مديحهم وإعجابهم.
- التصنع: محاولة التطبع بطباع ليست من طباعك مباهاة وافتخارا.
- عقال: رباط وقيد.
- شيعته: ودعته.
- مدجج: مزود بالسلاح الكامل.
- العُزَّل: جمع أعزل وهو ضد مسلح.
- تماديه: استمراره فيما ما يفعل.
- استخفافه: استهزاؤه وسخريته.
- يتضجر: يتضايق.
- لذعتها: آلمتها.
- حانقة: ساخطة، ومغتاظة.
- أ- تعلق كلوديت بهنري وحيلولة الحرب دون زواجهما.
- ب- فرح كلوديت بعودة هنري من الميدان للعمل في مراكش بعد ترقيته.
- ج- صدمة كلوديت بعد مشاهدتها لهنري وهو يأمر الجنود الفرنسيين بقتل المواطنين الأبرياء.
- د- محاولة كلوديت إقناع هنري بالعدول عن قتل الأبرياء.
- ه- إنفصال كلوديت عن هنري بعد اكتشاف عدم انتمائه إلى عالمها عالم الأبرياء.
ثالثا: تحليل نص "لم تعد تنتسب إلى عالمي":
الشخصية | صفاتها |
هنري | - طموح - قاسٍ - رافض للنصيحة- أناني- قاتل - ظالم.. |
كلوديت | حنون- رقيقة القلب - متضامنة مع الشعب المغربي - بريئة - طيبة... |
البداية | عمليات التحول | النهاية | ||
الحدث المحرك | العقدة | الحل | ||
تعلق كلوديت بهنري | إندلاع الحرب العالمية | مشاركة هنري في الحرب وابتعاده عن كلوديت | ترقي هنري وعودته إلى مراكش. | __ |
-- | تظاهر الشعب المغربي للطالبة بالاستقلال | إعطاء هنري الأمر بقتل المتظاهرين. | محاولة كلوديت إقناع هنري بعدم قتل الأبرياء | __ |
_ | _ | رفض هنري لطلب كلوديت | اكتشاف كلوديت للحقيقة | انفصال كلوديت عن هنري |
- - أرجوك يا « هنري » ألا تقول هذا، إني أحبك لأنك إنسان، فارحمني ولا تتكلم هكذا.
- - إن مستقبلي يتوقف على هذا، لقد أصبحت لي أطماع في الجيش، أريد أن أرقى.
- - هل تريد أن ترقی بواسطة قتل الأبرياء ؟
- - ليسوا أبرياء، إنهم يتصفون برذيلة العمل ضد فرنسا.
تعليقات
إرسال تعليق