عنوان الدرس: تحليل رواية محاولة عيش
الفئة المستهدفة : الثالثة ثانوي إعدادي
المكون: المؤلفات
أولا : القراءة الاستكشافية والتوجيهية :
1- التعريف بالمؤلِّف:
ولد الشاعر والقاص والروائي المغربي الكبير محمد زفزاف سنة 1945 بسوق أربعاء الغرب، ترعرع بمدينة القنيطرة، امتهن التدريس بالتعليم الثانوي بالدار البيضاء. انضم إلى اتحاد كتاب المغرب في يوليوز 1968. ترك مهنة التدريس وتفرغ للكتابة، عاش فقيراً ومات فقيراً مريضاً عام 2001م.
يتوزع إنتاجه بين الكتابة الروائية، والقصصية، والشعرية، والترجمة. كتب عن المجتمع المغربي وانتقده في أغلب أعماله التي تكاد تكون سيرا ذاتية مموهة، ترجم جل أعماله إلى عدة لغات عالمية، وقد امتازت كتاباته بحوار ممتع مكثف ولغة سهلة وراقية.
انخرط في الإبداع والتأليف بداية بالكتابة الشعرية، لينتقل بعد ذلك إلى كتابة القصة، كما أسهم في حركة الترجمة.
من إبداعاته الشعرية: أغنية الرماد (1963)، صليب وأمل (1964)، ومن أعماله الروائية: المرأة والوردة (1972)، قبور في الماء (1987)، محاولة عيش (1985). وله أعمال مسرحية عدة: الكلب مقتول على الرصيف (1972)، ما حدث للشاعر فرانسيس حام في جنوب المغرب (1976)، بيت الرامود (1998).
أسست أعمال زفزاف لقصة عربية / مغربية أساسها الابتكار والحداثة، واستلهام تفاصيل الهم اليومي للإنسان العادي البسيط. كما مثل الصورة المتناقضة لـ"ثقافة المدينة" وبريقها الخادع وأصحاب الهندام الأنيق والجهل الثقافي.
يعتبر زفزاف من كُتَّاب القصة المغاربة، والذي ظل وفيا لمسحوقي شعبه، حريصا كل الحرص على أن يظل هذا الوفاء متألقا واضحا عبر فنه وإبداعاته.
2- تعريف الجنس الأدبي" الرواية":
- الرواية جنس أدبي حديث ظهر مع بداية مرحلة التشكل البورجوازي للمجتمع الأوربي الحديث، يمتاز هذا الجنس باعتماد النثر أداة في عرض وقائع الحياة ضمن سياق حكاية متخيلة.
- يعتبر النقاد الرواية الأوربية ملحمة البورجوازية، إذ تسلط الضوء على ضياع الإنسان وغربته في المجتمع الحديث، ويسعى بطلها الضائع والمغترب لتحقيق عالم متجانس تتحقق فيه أحلامه وطموحاته.
وارتبط ظهور الرواية العربية ببداية النهضة العربية الحديثة، إذ مثلت مرآة للمجتمع العربي الحديث الذي يواجه التخلف والتسلط. وحسب "عبد الله العروي" قد اقترنت نشأة الرواية العربية ببحث المجتمع العربي عن هويته (علاقة الأنا والآخر ـ المجتمع العربي والحضارة الأوربية ـ اتخاذ موقف من الآخر).
3- دراسة العنوان:
+ يتألف العنوان من لفظتين:
محاولة: (من حاول) إذا أراد إدراك شيء وإنجازه، وطلبه على وجه الحيلة.
عيش: (عاش، عيشا، وعيشة، ومعاشا) صار ذا حياة. والعيش: الحياة ومتطلباتها، من مأكل ومشرب، ودَخْل، وخبز ورزق.
+ يوحي لنا العنوان من البداية أن الرواية تتحدث عن الارتباط بالحياة ومحاولة العيش كيفما كانت الصعاب المحيطة به؛
إنها "محاولة عيش" وليست "محاولة العيش"، بمعنى طلب الرزق وكسبه في ظل شروط قاسية تحول دون ممارسة الإنسان لوجوده وحفظ كرامته، وإنسانيته، فتصبح أفعاله وتحركاته مجرد <<محاولة عيش>> وليست حياة بالفعل، طالما أن للحياة مواصفات تفتقر إليها شخصيات الرواية. وأي توقف للشخصية عن القيام بمحاولاتها يؤدي بها للموت والفناء. وبتأمل الأنشطة التي تزاولها الشخصيات نجد أنها تعيش ولا تحيا، وهي على حافة الموت، وتحت عتبة الفقر:
<<أحيانا كان أبوه يأخذه معه لجني البلوط وبيعه>> (ص 17)
<<امتداد شاسع من البراريك القصديرية... منهم الحفارون والخادمات واللصوص ومنهم الصباغون والجيّارون والبائعون المتجولون والمتسولون وكل شيء. منهم كل شيء وكل شيء حتى بائعو الصحف، ومن بائعي الصحف حميد>> (ص 17)
4- التعريف بالمؤلَّف:
تقع الرواية في 111 صفحة، طبعت الطبعة الأولى عام 2004 م، من إصدار منشورات الجمل في ألمانيا، وتصور معاناة الطبقة السفلى (الفقيرة) من المجتمع المغربي خلال فترة من الفترات التاريخية والعصيبة التي مر بها.
يتوقف الكاتب عند حياة فتىً صغير منحدر من البراريك (دور الصفيح)، يعيش في جو موبوء أخلاقيا، أجبر على العمل بائعا للجرائد لكسب لقمة العيش، كما وأجبر من قبل والدته على الزواج بفتاة لا يحبها وذلك لمجرد أنه قد أصبح رجلاً، مع أن سنة لا يتعدى الثامنة عشرة من العمر. لكن زوجته لن تتميز كثيراً عن أرتابها من الفتيات في تلك المنطقة حيث ترسو السفن الغربية ويتدخل الجنود في حياة أهل المنطقة، وهي لن تكون بالتالي عذراء، و"حميدو" بطل الرواية لن يكتشف ذلك إلا بعد فوات الأوان؛ حيث يؤول عرسه إلى مأثم بعد اكتشافه عدم عذرية عروسه.
5- صورة الغلاف:
صدرت رواية محاولة عيش في طبعات مختلفة، ما أدى إلى اختلاف الغلاف من طبعة لأخرى، واخترنا غلاف الطبعة الأولى، وأول ملاحظة يمكن الإشارة إليها هي الألوان الداكنة التي يتشكل منها غلاف الرواية، حيث في الأعلى اسم المؤلف، وفي أسفل الصفحة اسم الجنس الأدبي (رواية)، ومكان الطبع (دار الثقافة للنشر والتوزيع)، وفي وسط الصفحة يتوزع لون داكن في اليمين، وآخر برتقالي في اليسار، مكتوب عليه بأحرف واضحة وبارزة اسم المؤلَّف (محاولة عيش)، حيث تداخُلُ اللونين معا في شكل منظر للغروب الذي لا يمكن اعتباره إلا دلالة على النهاية (نهاية اليوم، نهاية الحياة ...).
إنها تمثل سيطرة البؤس والحزن والفقر مع وجود إشراقة أمل في الحياة والعيش.
ثانيا : القراءة التحليلية :
1 - - ملخص المتن الحكائي:
يسرد محمد زفزاف في "محاولة عيش" قصة حميد الذي أجبر بسنواته الست عشرة وبسبب فقره وكسل والده وتسلط أمه،
على العمل بائعا للصحف، يسرد معاناته اليومية بدءا من الشتائم التي يتلقاها من صاحب شركة التوزيع، مروراً بشتائم حراس الميناء، حراس السفن الغربية الراسية على الشاطئ، والتي يحاول الصعود إليها لبيع الصحف للأجانب طمعاً في عملة صعبة أو علبة سجائر مستوردة. ولا تنتهي الشتائم والشكوك والظنون السيئة، بل تحاصره في كل مكان، ليجد الملاذ أحياناً عند اليهودية صاحبة المطعم الفخم التي تسمح له بأكل بقايا الطعام.
ويتحدث عن طقوس أكل كيلو جرام واحد من اللحم في تلك الأحياء القذرة الفقيرة، طقوس تبدأ من تكرار كلمة "لحم" لإغاظة الجيران، ثم شيء يشبه الاحتفال في تلك "البراريك"، ثم إهداء قطعة صغيرة من اللحم لإحدى الجارات تعبيراً عن الحب، ليعرف الجميع أن لحماً أكل هنا.
حميد قاوم الفقر والحياة بالعمل، حاول ألا يسكر، حاول ألا ينجرَّ خلف بغيٍّ، لكن في النهاية كان ضغط الفقر والمجتمع وتأثير المنطقة أكبر من كل محاولاته التي فشلت وأصبح كأي منهم، بلا ميزة إلا أنه يعمل بجد أكثر، وهو ما حرض والدته على تزويجه؛ لأنه يكسب دراهم معدودات يومياً وأصبح يملك "برَّكة" في الفناء وصار رجلاً بعد بلوغه الثامنة عشرة. وهكذا، تزوج وفق المراسم الشعبية المعتادة، ليتحولَ الاحتفال في النهاية إلى معركة بعد أن يكتشف حميد أن زوجته العرجاء لم تكن عذراء.
2- الخطاطة السردية:
البــــدايـــــــة |
حالة حميد
العائلية والاجتماعية في غياب عمل قارّ |
|
عمليات التحول |
حدث طارئ |
حصول حميد
على عمل (بيع الصحف) |
العقدة |
تفكير الأم
في تزويج حميد |
|
الحل |
زواج حميد من
فيطونة |
|
النهاية |
مغادرة البيت
ليلة زواجه |
3- فصول الرواية وأهم أحداثها:
تتمفصل الرواية إلى اثني عشر فصلا ممثلة بواسطة أرقام، وسنقدم لكل فصل عنوانا خاصا:
الفصل الأول: معاناة حميد في الميناء.
الفصل الثاني: حميد ورئيسه الجديد.
الفصل الثالث: حالة حميد بعد أن صار يعول عائلته.
الفصل الرابع: جولات حميد الليلية في الملاهي (في البار).
الفصل الخامس: حكاية حميد واليهودية صاحبة المطعم.
الفصل السادس: وحميد وبيع الصحف في مقهى الأركاد.
الفصل السابع: بناء الأم براكة جديدة لحميد.
الفصل الثامن: رشوة المقدم حتى لا يهدم البرّاكة.
الفصل التاسع: تفكير الأم في تزويج حميد.
الفصل العاشر: تعرف حميد على<<غنو>>.
الفصل الحادي عشر: شك الأم في تصرفات حميد الجديدة.
الفصل الثاني عشر: زواج حميد.
الفصل الأول :
يعاني حميد من قبل حراس السفن التي يبيع من على متنها صحفه، لأنهم لا يتركونه يدخل دون واسطة أو رشوة، مثلما حصل مع الحمال الذي أدخله إلى السفينة السويسرية. بالاضافة إلى الرشوة، هناك معاناته من الابتزاز، مثلما حصل له على نفس السفينة لكن هذه المرة مع الحارس الذي ابتز منه علبة سجائر. وفي ظل كل هذه المشاكل كان يتمنى لو كان ماسح أحذية، بدعوى أن هؤلاء حياتهم حرة وسهلة من بيع الصحف .
الفصل الثاني :
سنبدأ الفصل الثاني بوصف المكان "إنها البراريك" مساحة شاسعة وألوان عديدة من مواقف اجتماعية تضع حميد في بؤرتها باعتباره واحدا منهم، إنه بائع صحف من البراريك، حيث كان أول يوم له في العمل عجيبا و غريبا، لكن سرعان ما ألف ذلك النمط من العيش الجديد، حيث إنه أصبح يعتبر مديره هو السلطة العليا التي صار يخاف منها، والتي سيحاول أن يجد لها طرقا لتجاوزها. ومع أول يوم مع الضاوي - الشخص الذي أدخله إلى المهنة - لم يكن حميد يعرف فيم أوقع نفسه، لكنه وجد عملا أخيرا، ولن يكون عالة على أي أحد .
الفصل الثالث :
يبين الكاتب في هذا الفصل أن حميدا ليس كأقرانه الذين يضربون أمهاتهم، ولكنه - لسببٍ مَا - يتم استغلاله من طرف الأب الذي يدخن سجائر رخيصة يسلبه كل ما يملك. إن حميدا أصبح يشتري احترامه في عائلته بتلك القطع البيضاء والصفراء "هذه المرة دون أن ينظر نظرة .... "26
الفصل الرابع :
يصف زفزاف حالة يوم السبت خاصة مع بائعي الصحف وفيهم حميد الذي كان همه الوحيد هو أن يستريح؛ فكما قال بلسانه "لا أحد يقرأ الصحف صباح ليلة السبت".
كما أن السارد لم ينس أن يصف كذلك المخاطر ومضايقات الشرطة أو السكارى الأمريكيين في البارات أو الملاهي الليلية.
الفصل الخامس :
لم يعد حميد يوفر النقود كما كان سابقا، فصار يسمع الإهانات من أبيه وأمه رغم العناء الذي يتكبده يوميا. ومع ذلك، فإنه لم يرد على وصف اليهودية لهما بالبدويين الكسوليين احتراما لهما. تلك اليهودية صاحبة المطعم التي أعطته ثيابا ليلبسها، فابتزها منه الشرطي صاحب الدراجة الهوائية بدعوى أنه سرقها من سطح العمارة .
الفصل السادس :
أصبحت الأحداث تقع أمام وداخل مقهى الأركاد الذي يعد مطعما و"بارا" تديره اليهودية السمينة وحدها، وهو المكان الذي يسكر فيه الأمريكيون. ويجسد هذا الفصل الأحداث التي تنتج مع وجودهم في هذا الجو، ومشاهدة حميد وصديقه لكل هذا و تعليقهم عليه في الرواية بصوت السارد.
الفصل السابع:
تدور الأحداث في هذا الفصل حول بناء الأب لحسن براكة لابنه، وهي تشبه مسكن الكلب أكثر من براكة , "إن حميد أصبح رجلا
ولابد له من براكة هذا ما قالته الأم للحسن"(ص56). وفي هذا الفصل كذلك يتقمص المقدم دور سلطة الدولة من أجل ابتزاز الأسرة ـ ـ كنموذج مصغر عن ضحاياه ـ والحصول على رشوة، إنه يحب الرشوة "كل شيء يسير بفلوس"ص61
الفصل الثامن:
يتابع زفزاف في روايته حكاية المقدم وإعطائه لهم موافقته لبناء البراكة وفي وقت لاحق الحق في توسيعها ، وتبجح الأم بذلك أمام صديقاتها وجاراتها، الشيء الذي دفعها إلى الكذب، ما يدل على انعدام الأخلاق والتربية لدى الأهل، ثم ينضاف إليهم الاولاد .
ويتضح ذلك في المشادة الكلامية بين الزوجين وطريقة كلامهما طيلة مدة الرواية، وكذا في ضرب الولد أخاه الأصغر منه.
الفصل التاسع:
قرار الأم تزويج حميد بإحدى بنات الأكواخ؛ إنها فيطونة التي ستصبح مطيعة في نظر الأم، والتي لم يمانع في القبول بها .
إنه يشتغل ويحتاج إلى امراة تكون بجانبه تطبخ له الشاي وتغسل له كسوته التي تكون عادة مسودة من كثرة احتكاكها مع الصحف.
الفصل العاشر:
يصف حميد كيفية التقائه بالفتاة غنو، تلك الفتاة البدوية المهاجرة من العوامر، ومعركته مع الأمريكي والمغربي دفاعا عنها.
الفصل الحادي عشر:
تحوَّل حميد - بعدما كان طاهرا- إلى مطارد نساء و شارب للخمر، بعدما كان يجربه مع غنو "لقد تغير كثيرا " (83) إنه شخص آخر غير الأول .
الفصل الثاني عشر :
انتهت الرواية بهروب حميد من عرسه بعد أن اكتشف أن زوجته العرجاء ليست بعذراء، وقيام معركة حقيقية بالهروات بين العائلتين، لكنه لم يأبه بذلك حيث خرج من العرس وتوجه مباشرة نحو المنزل؛ منزل غنو الذي كان يمتلك نسخة من مفاتيحه، سيشرب هناك وينام "نومة رجل فحل"95
4- شخصيات الرواية :
1- شخصية الأب : اسمه الحسن، ذو بنية جسمانية قوية، وأسنان قذرة وسوداء من كثرة التدخين، يقضي يومه في النوم العميق أو الجلوس أمام دكان البقال.
2- شخصية الأم : لا تحمل اسما في الرواية، وليست لها أوصاف مميزة عدا أن الشيب قد خط شعر رأسها، تشتغل في حرف كثيرة، قلقة دائما على مصير أسرتها، دائمة الشجار مع زوجها، غير أنها قوية الشخصية، وتستطيع الوصول للأهداف التي تخطط لها بعناية.
3- شخصية المومس الصديقة : اسمها " غنُّو" وهي فتاة بدوية مهاجرة من " العوامرة "، تشتغل في ملهى ليلي، تعلمت في ظرف ثلاثة أشهر كيف ترتدي البنطلون وتقص شعرها وتضع الأصباغ وتشرب وتدخن، وتعلمت أيضا بعض الكلمات الأمريكية.
4- شخصية الخطيبة " فيطونة ": فتاة سمينة متوردة الوجنتين ذات ردفين كبيرين، وتغمز بقدمها. اختارتها الأم خطيبة لابنها من بين خمس أو ست بنات لأنها تحييها كلما رأتها.
5- شخصية سي إدريس : رجل سمين يضع نظارتين سميكتين على عينيه، كان شبيها بيهودي. يبيع الفراخ والدجاج، ويمتلك مكتبا لتوزيع وبيع الجرائد.
6- شخصية المقدم : لا اسم للمقدم، إنه رمز لرجال السلطة في المدينة، وهو يختزل كافة صفاتهم، ويكشف أيضا عن السلالة الإدارية التي ينحدر منها؛ فقد كان مجرد حشاش مقامر، لكن تعاونه مع أجهزة الأمن والشرطة، باعتباره مخبرا مخلصا، جعله يعمل مع الدولة..
5- الزمن في الرواية :
- تحيلنا الرواية إلى زمن وجود القاعدة الجوية الأمريكية بمدينة القنيطرة في بداية الستينات، في إطار المساعدات العسكرية والاقتصادية التي كانت تقدمها أمريكا للمغرب بُعَيْدَ استقلاله.
- وزمن بداية الاستقلال الذي تؤرخ له الجريدة الوحيدة الناطقة باللغة العربية وهي جريدة " الاستقلال".
- و زمن الحكاية : أي المدة التي استغرقتها أحداث القصة وهي ثماني سنوات، من السن التي لم يتجاوز فيها حميد سنه العاشرة إلى أن تزوجه بفيطونة وهو ابن الثامنة عشرة .
6- المكان في الرواية:
من خلال قراءتنا للرواية لا يمكننا تحديد مكان بعينه لأننا لا نعرف اسم الأمكنة ولا موقعها ولا حدودها وكأننا بمحمد زفزاف يرمي من وراء ذلك إلى أمرين :
- تعمد عدم تسمية الأمكنة للتعميم الذي يشكل كل مدينة مغربية باعتبارها فضاء مناسبا لمجريات الأحداث ووقائعها وشخوصها التي تهددهم نفس الظروف ونفس المصير.
- تعمد عدم تسمية الأحياء والتجمعات السكنية بأسمائها، لأنها أصلا أهملتها السلطات العمومية، واستشراء الفساد والرشوة والابتزاز وسط رجالات السلطة، وافتقار الحي الصفيحي لأبسط المرافق الصحية والاجتماعية.
7- وضعية السارد:
- السارد في "محاولة عيش" لا يكتفي بتتبع الأحداث و الشخصيات وإنما يحاول من حين لآخر أن يعلن عن تموقعه في الرواية من خلال التميز عن كل الشخصيات وإن لم يكن مشاركا ويوحي بطبيعته كشخصية مميزة، ويتمثل ذلك على مستوى تدخله في سرد الأحداث من جهة، واستباقها أحيانا إلى درجة التنبؤ بها قبل وقوعها، ما يؤهله لمعرفة تطور الحكاية ومصير شخصية حميد .
( عرف حميد فيما بعد أن تلك هي الحقيقة وأن الضاوي لم يكن يكذب عليه ) الفصل 2 ص21 ( وقد فهم حميد فيما بعد لماذا كانت تفعل ذلك ..)ف11 ص83
- كما يتمثل ذلك على مستوى السيطرة على شخصيات الرواية وإنطاقها بلغته فرضا لوجوده كسارد، لكنه ليس من طبقة حميد أو الضاوي أو غنو ولا حتى السي إدريس.
8- أهم القضايا التي تعالجها الرواية، والمقتطفات التي تشير إليها:
1- فساد المجتمع :
- سيادة الشك والفرقة بين الناس : " كل يوم تبنى فيه برَّاكة جديدة، لكن الأخبار تصل بطريقة أو بأخرى " . ص 85.
- شيوع الرشوة على كل المستويات : " أنت لا تعرفين الميناء ، لا يصلك الدور إلا بالرشوة " ص: 100.
- تسلط رجال السلطة : " كان الرجل ببذلته الرسمية الزرقاء ينظر إليه بطريقة عدوانية ومسدسه يتدلى عن يساره " ص: 88.
- التفسخ والانحلال الخلقي : " المومسات الوافدات .... رجال السلطة يعتقلوهن لابتزازهن أو لاغتصابهن....إن الإسلام يمنع الزنا، والزنا، الدولة لا تعترف به، ص :107.
2- وضعية المرأة في المجتمع :
أ* مستوى الوضع الاعتباري:
"إنها فتاة على كل حال إلى متى سيحتفظ بها ؟ هل سيُمَلِّحُها وينْشُرُها مثل لحم عيد الأضحى ؟ " ص: 162.
- " الله يهديك النساء كثرت هذه الأيام، أصبحن يقبلن حتى على ذوي العاهات".
ب• مستوى الممارسة الاجتماعية:
- " لا بأس إذا غمزت بقدمها، لكنها مع ذلك سمينة، تحلب فمه، وتمتلكه قشعريرة " ص: 142.
- " ما من أحد كره وجود امرأة بجانبه، تطبخ له الشاي، تضع له طبيخة على رأسه عندما يشعر بالألم ، تغسل له ثيابه " ص: 144.
ج• مستوى المواصفات الذاتية :
- " اجعل المرأة امامك ، ولا تجعلها خلفك، النساء غدارات وحراميات " ص: 158.
د• مستوى العلاقة مع الرجل .
" لقد أصبحت أتركها تنبح كالكلبة... أنا أيضا تعِبتُ من ضرب تلك العرجاء اللعينة." ص: 131.
3- الطفولة المحرومة :
- الحرمان:
- "خذ هذه الأثواب وغير خرقك البالية الممزقة" ص: 120.
- "أمرت الخادمة أن تقدم له صحنا من اللوبيا بقطعة من قوائم البقر، منذ شهور لم يأكل وجبة مثل هذه " ص: 119.
- العيش المتشرد:
-" يتغيبون منذ شهر عن عائلاتهم يظلون يعيشون من مزابل المدينة، وينامون في الحدائق العمومية " ص: 100.
- الاستعباد: " كم أتمنى أن يكون ماسح أحذية، لأن حياة هؤلاء حرة" ص: 87.
- الإذلال : " هل تعرف أين نحتجز أمثالك؟ إنك تصلح لأولئك السكارى المهربين" ص: 88.
- الإرهاب : " جره الحارس إلى البراكة، شعر حميد بالخوف من هؤلاء الأجلاف. كم هم قساة " ص: 90.
ثالثا: القراءة التركيبية :
تبرز رواية "محاولة عيش" كوثيفة أدبية، برصدها لحياة الطفل "حميد "، من خلال تتبعها دخوله مغامرة المحاولة ، وتقف شاهدا على مرحلة تاريخية و اجتماعية لمدينة القنيطرة: إنها المرحلة التي تميزت بتواجد الأمريكيين المقيمين في القاعدة الأمريكية بنفس المدينة، وما أشاعه تواجدهم من انحلال أخلاقي، إلى جانب تفشي ظاهرة الفقر في الأحياء القصديرية، وما نتج عن ذلك من ارتماء في احضان الانحراف والاستسلام للواقع المرير. والرواية في تصويرها لهذا الواقع من خلال تتبع شخصية حميد في محاولة العيش، توظف عددا لا بأس به من الشخوص يتفاوتون في الأهمية حسب مواقعهم في المتن الحكائي.
آراء النقاد في المؤلَّف:
+ عبد العلي مستور (رئيس منتدى المواطنة، عضو المجلس الأعلى للتعليم)
( ....غير مسموح التهجم على عمل أدبي من منطلقات أخلاقية محضة.. خاصة حين يتعلق الأمر بروائي معروفة أعماله مثل الراحل محمد زفزاف، المشهود له بالكفاءة الأدبية. بل لقد ربت رواياته أجيالا عربية وليس مغربية فقط، وهي ذات بعد إنساني رفيع وتنطلق من واقعية لا تجامل، من أجل تغيير الواقع وإصلاحه وليس من أجل تكريسه.. هذا أمر لا بد من تسجيله بداية والاعتراف به)
+عبد الفتاح الحجمري (ناقد أدبي)
الأدب ليس عقيدة، ومجاله ليس الإيمان، بصرف النظر عن خلفية محاولة منع رواية «محاولة عيش» لمحمد زفزاف، فإن «فكرة الأدب» في حد ذاتها لا ترجح هذا التعريف للأدب أو ذاك، لارتباطها، في المجمل، بخطابات فلسفية ونقدية عامة ومختلفة. كما أن الأدب يحمل في مضمراته هاجس محفز للتعبير عن المهمش، وعن الخارق، وعن اليومي المبتذل، ولكن بمسافة جمالية معينة....
وإذا كان الأدب مازال يتمتع بقوة التأثير في المجتمع، فينبغي الدفاع بقوة عن التخلي عن أي نظرة أحادية تطمح إلى تسييجه بعقيدة معينة، أو إلى توجيه أذواقنا وسلوكنا نحوه....
+ نجيب العوفي (ناقد أدبي)
كأننا نسير مع التاريخ في الاتجاه المعاكس محاولة منع رواية «محاولة عيش» للكاتب المغربي الكبير محمد زفزاف من التداول الدراسي ليست هي الغارة الإرهابية الأولى ولا الأخيرة التي يشنها الظلاميون على الأدب المغربي. فهناك حالات سابقة، لعل أشهرها وأقربها إلى الذاكرة هي منع رواية «الخبز الحافي» للراحل محمد شكري.. صديق زفزاف الحميم.. هذا المنع، وتحت أية حجة أخلاقية، يشكل وصمة سيئة في مغربنا الحديث الساعي نحو التسامح والتنوير والحرية والديمقراطية وطي الصحائف...
+ سعيد بوكرامي (روائي)
رواية «محاولة عيش» لا تحاكي ما يقع في جزر الباهماس! ليس جديدا أن يتعرض روائي مثل زفزاف لمحاولات المنع في ظل ما نعرفه من تشدد ديني، وليس غريبا أن يتعرض لمضايقات أو استفزازات، سواء من طرف السلطة السياسية أو الدينية، مادام قد كتب روايات تحاكي بطريقة فنية ما هو موجود في الواقع المغربي، وليس في جزر الباهماس!
إن محمد زفزاف روائي كبير كتب روايات تتحدث عن الواقع المغربي منذ الستينيات إلى أن رحل عنا؛ والكاتب إن لم يكن مواكبا لواقعه وتحولاته الاجتماعية فهو ليس كاتبا. أما زفزاف، فقد كان كاتبا يدافع عن الإنسان البسيط، ويقدمه في قالب روائي جمالي موظفا تقنيات وجماليات، كما فعل نجيب محفوظ في مصر، وهنري ميللر في الولايات المتحدة الأمريكية.. فهذا اتجاه روائي ينبغي أن يحترم وتطلع عليه جميع شرائح المجتمع المغربي، سواء في المدارس أو في الجامعات.. أو حتى لمتعة القراءة.
تعليقات
إرسال تعليق