مرثية جيكور
يا صليب المسيح ألقاك ظلا فوق جيكور طائر
من حديد
يا لظل كظلمة القبر في اللون و كالقبر في ابتلاع الخدود
و التهام العيون من كل عذراء كعذراء بيت لحم الولود
مرّ عجلان بالقبور العواري من صليب على النصارى شهيد
فاكتست منه بالصليب الذي ما كان إلا رمز الهلاك الأبيد
لا رجاء لها بأن يبعث الموتى و لا مأمل لها بالخلود
ويل جيكور ؟ أين أيامها الخضر و ليلات صيفها المفقود
و العشاء السخي في ليلة العرس و تقبيلة العروس الودود
و انتظار له على الباب
محمود تأخرت يا أبا محمود
ناد محمود
ثم يوفي على الجمع بمنديل عرسه المعقود
نقطته الدماء يشهدن للخدر بعذراء يا لها من شهود
لا على العقم و الردى بل على الميلاد و البعث و الشباب الجديد
أي صوت يصيح محمود محمود تأخرت كالنواح البعيد
أين محمود ليس محمود في الدار و لا الحقل
يا أبا محمود
ناد محمود كاد أن يهتف الديك و ما زال جمعنا في الوصيد
قل له يبرز الدماء فإنا في انتظار لها و شوق مبيد
ذر نجم الصباح محمود محمود أأقبلت بالدم المنشود
أي جرح ينز منه الدم الموار في باب دارك المرصود
إنه منك منك هذا الدم الثر و من جانب العروس القديد
الصليب الصليب إنا رأيناه و قد مر كالخيال الشرود
قد رأيناه في الصباح و في الليل سمعنا كقعقعات الرعود
أهو هذا الذي يريدون ؟ أشلاء و أنقاض منزل مهدود
أفما قامت الحضارات في الأرض كعنقاء من رماد اللحود
لا و لم تفرح العقول على المجهول يسبرن فيه غور الوجوه
أو يشقّ العباب قلع يصك الريح صكا إلى البعيد البعيد
أو يلمّ النسيم عقدا من النور و يذروه باقة من ورود
ساحر فجر المدى عن مدى ملآن باللحن مترع بالنشيد
أو تدّق الأجراس يا أرض يا بشراك بالحبّ و المسيح الوليد
لا و لم يختم الزجاج على كل هرقل من العقار الأكيد
يخنق الموت كلما همّ بالناس و يجتاح كاسرات الأسود
لا و لا قيس بعدما لفه الليل من الأرض و احتوى من حدود
الذي قاس حافة الساعة القوراء في قرصها ذراعا حديد
أو يفض الظلام ألا لكي تندّك جيكور بالسلاح الجديد
كي يراها على اتساع المدى و الشأو من ليس طرفه بالحديد
من وراء المحيط و الليل و الغابات و البيد و الذرى و السدود
أين من شال جين أطمار كلثوم ؟ و أن الغضا من الأركيد
فيم أسرى صحاب جين المغاوير على زوج كلثوم المنكود ؟
يارمادا تذره الزعزع الشعثاء في مقلة القمير الوحيد
أنت جيكور كل جيكور أحداق العذارى و باسلات الزنود
و الرؤوس التي حثا فوقهنّ الدهر ما في رحاه من تنكيد
صرّد القمح من نثار لها اللون و لم تحظ بالرغيف الوئيد
فهي صحراء تزفر الملح آهات و شكوى لمائها المؤود
خورس
شيخ اسم الله ترللا
قد شاب ترلّ ترلّ ترار و ما هلّ
ترلل العيد ترللا
ترللا عرّس حمادي
زغردن ترلّ ترللا
الثوب من الريز ترلّلا
و النقش صناعة بغداد
إنها الريح فاملئي الريح يا جيكور بالضحك أو نثار الورود
فقطب الصمت حيث كانت أغانيك و حيث العبير نتن الصديد
جاء قرن و راح و المدن في ضوضاء و ما زلن من حساب النقود
ضاع صوت الضعاف فيها و آهات النبيين و ابتهال الطريد
و استحال الفضاء من ضجة الآلات فيها و من لهاث العبيد
غير هذا الفضاء شيئا لغير الآدميين ربما للقرود
ربما للذئاب و الدود و الأذنى من الدود في الحضيض البليد
ظلّ ذاك الضجيج كالجيفة الحبلى بما ليس غير عقم الولود
ثمة التمّ في كرات من النار فألقى عليك صمت اللحود
لا عليك السلام يا عصر تعبان بن عيسى و هنت بين العهود
ها هو الآن فحمة تنخر الديدان فيها فتلظي من جديد
ذلك الكائن الخرافيّ في جيكور هومير شعبه المكدود
جالس القرفصاء في شمس آذار و عيناه في بلاط الرشيد
يمضغ التبغ و التواريخ و الأحلام بالشدق و الخيال الوئيد
ما تزال البسوس محمومة الخيل لديه و ما خبا من يزيد
نار عينين ألقتاها على الشمر ظلالا مذبحات الوريد
كلما لز شمره الخيل أو عرى أبو زيده التحام الجنود
شد راحا و أطلق المغزل الدوّار يدحوه للمدار الجديد
و انتهى من حديثه الضخم عن ضخم من الغزل و انتهى من قعود
نصف عريان يسحب الطرف عن صدر تعرى و عن قميص فقيد
غير بقيا على فم دق حتى عن فم العنكبوت في رأس عود
مغزل ينقض الذي حاكه النول و جهد أضاع شتى جهود
فهو كد و ليس بالكد أردى قبله اثنين و أدعى بالمزيد
حاضر غير حاضر منه للماضي فناء و للغد الموعود
لا عليك السلام يا عصر تعبان بن عيسى و هنت بين العهود
أنت أيتمت كل روح من الماضي و سودت آلة من حديد
تسكب السم و اللظى لا حليب الأم أو رحمة الأب المفقود
سلم في الحضيض أعلاه مرقاه انخفاض و إن بدا كالصعود
حدقت منه في الورى مقلتا فوكاي تستشرقان أيام هود
و المسيح المبيع بخسا بما لو بيع لحما لناء عن تسديد
حدّقي حيث شئت يا عين فوكاي المدمّاه من مداك المديد
فهي سوق تباع فيها لحوم الآدميين دون سلخ الجلود
كل أفريقيا و آسية السمراء ما بين زنجها و الهنود
و اشتري لحم كلّ من نطق الضاد تجار تبيعه لليهود
هكذا قد أسف من نفسه الإنسان و انهار كانهيار العمود
فهو يسعى و حلمه الخبز و الأسمال و النعل و اعتصار النهود
و الذي حارت البرية فيه بالتآويل كائن ذو نقود
بدر شاكر السياب.
تعليقات
إرسال تعليق